نظرية المرونة النفسية: كيف نصمد أمام الأزمات ونقوي صحتنا العقلية
يتناول هذا الموضوع نظرية المرونة النفسية كإحدى الركائز الجوهرية للصحة النفسية، فيشرح ماهيتها ونشأتها التاريخية وكيف تؤثر عوامل داخلية مثل تقدير الذات والتنظيم العاطفي وعوامل خارجية مثل الدعم الاجتماعي على قدرة الإنسان على الصمود. يستعرض المقال نماذج علمية ويستكشف كيف يمكن لتنمية المرونة عبر ممارسات معرفية وتأملية وتعزيز الأصول الشخصية والموارد الاجتماعية أن تساعدنا على مواجهة الأزمات والتحول إلى نموٍّ متجدد.

في رحلة الحياة الطويلة، يتعرض الإنسان لأمواج متلاطمة من الصدمات والخسائر. وهناك من ينهار عند أول موجة، وهناك من يلتقط أنفاسه ويعود أكثر قوة ومرونة. ما السر؟ سؤال حاول العلماء الإجابة عنه منذ عقود، ليولد من تلك المحاولات مفهوم المرونة النفسية. هذا المفهوم ليس مجرد شعار؛ إنه إطار علمي قائم على فهم كيف يصمد بعض الناس في مواجهة الشدائد بينما يتعثر آخرون. السمة الأساسية في هذا الإطار هي النظر للإنسان على أنه نظام مفتوح، تتفاعل فيه القوى الداخلية والخارجية بشكل دائم، كما تتفاعل قوى السلطة في روايات روبرت غرين.
تشير الدراسات إلى أن الباحثة إيمي ويرنر كانت من أوائل من استخدم مصطلح المرونة النفسية، بعد متابعتها لتطور مجموعة من أطفال هاواي الذين نشأوا في ظروف قاسية. المدهش في تلك الدراسة أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال استطاعوا أن يصبحوا بالغين ناجحين رغم الفقر والعنف والإدمان المحيط بهم. هذا الاكتشاف فتح الباب أمام مدرسة جديدة في علم النفس تسأل: ما العوامل التي تجعل الإنسان يقف أمام الإعصار لا يهتز؟ وللإجابة، ظهرت نظرية المرونة التي تعتمد على فكرة "العوامل الترويجية" وهي مجموعتين: أصول داخلية وموارد خارجية. الأصول الداخلية مثل تقدير الذات، وضوح الهدف، والقدرة على تنظيم العواطف تشكل قواعد متينة كالقلعة التي يحتمي بها الفرد. أما الموارد الخارجية، فتشمل العلاقات الداعمة والمجتمع والبرامج الشبابية والإرشاد، وهي بمثابة الجسور التي تتيح للفرد عبور الأزمات.
غير أن المرونة ليست مجرد وجود عوامل دعم، بل هي عملية تتطور عبر الزمن. فالشخص الذي يخرج من محنة ليس كما كان قبلها؛ إنه يعيد تشكيل هويته وروايته الخاصة. هنا تبرز أهمية نظريات علم النفس المعرفي والسلوكي، التي تركز على تفسير الأفكار والمعتقدات الكامنة وراء ردود فعلنا. فالطريقة التي نرى بها العالم تحدد ردود أفعالنا أكثر من الأحداث نفسها؛ وتعلم إعادة صياغة تلك التفسيرات عبر التدرب على التفكير النقدي والوعي بالذات يمنحنا طاقة جديدة. كما أن ممارسة التأمل واليقظة الذهنية يساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتوسيع حيز الخيارات عندما تواجهنا الضغوط.
وبأسلوب الروائي الذي يتتبع مكائد السلطة، يمكن القول إن تطوير المرونة يشبه إعداد استراتيجية لمواجهة خصم خفي. أول خطوة في هذه الاستراتيجية هي إدراك مصادر قوتك الداخلية، بما في ذلك مهاراتك وقيمك وتراثك العائلي. عليك أن تذكر نفسك بقصص نجاحاتك الصغيرة السابقة؛ فهي الوثائق التي تقنع عقلك بأنك قادر على النجاة مرة أخرى. ثانيًا، عليك بناء تحالفات مع أشخاص يثقون بك وتثق بهم. فالعلاقات ليست رفاهية؛ بل هي خطوط إمداد تمدك بالطمأنينة والإرشاد كما تمد الجيوش قادتها بالعتاد. ثالثًا، يجب أن تتعلم فن التكيف؛ فكما يبدل المتفاوض الذكي خططه حسب ظروف خصمه، عليك تعديل توقعاتك وخططك لتتلاءم مع الواقع بدلًا من مقاومته.
تذكر أن المرونة النفسية لا تعني تجاهل الألم أو التظاهر بالقوة الزائفة، بل تعني الاعتراف بالمشاعر ثم اتخاذ قرار واعٍ باستخدامها كوقود للنمو. وهي ليست أيضًا صفة ثابتة، بل حالة ديناميكية يمكن تطويرها وتعزيزها. وهنا يأتي دور المجتمع والمؤسسات التعليمية في توفير فرص تسمح للأطفال والشباب بتعلم مهارات التنظيم العاطفي وتشكيل الهوية. كذلك، تظهر أهمية السياسات الاجتماعية التي توفر فرصًا متساوية للتعليم والرعاية الصحية، لأن المرونة لا تنمو في الفراغ.
في النهاية، يتكشف لنا أن المرونة النفسية ليست معجزة فردية بل توازن دقيق بين الذات والآخرين، بين الانضباط والمرونة، وبين القبول والتغيير. من يفهم هذه المعادلة ويطبقها، يصبح مثل بطل روبرت غرين: يدرك خيوط اللعبة ويحركها لصالحه دون أن يغفل عن تعقيداتها. لن تمنعك المرونة من مواجهة العواصف، لكنها ستمنحك القدرة على الإبحار خلالها بثبات، والخروج منها بحكمة أكبر ونظرة أوسع إلى نفسك والعالم.